مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
استهلَّ أبي جلسة حواريّة الوصيّة بالحديث الشريف
التالي:
قال الاِمام ابو جعفر عليه السلام: «الوصيّة حقّ وقد أوصى رسول الله
صلى الله عليه وآله فينبغي للمسلم أن يوصي».
ولكن بعض النّاس يا أبي لا يوصون
متصوّرين أن الوصيّة تعني قرب حلول الموت فيتشاءمون منها.
ــ الوصيّة مستحبّة،
ويقال انّها على العكس من ذلك تطيل العمر، ثمَّ أن ترك الوصيّة مكروه وغير حسن.
وبعد ذلك كلّه «الموت حقٌّ» أليس كذلك؟
نعم، الموت حقّ، قال الله سبحانه
وتعالى في كتابه الكريم: (كُلُّ نَفْسٍ ذائقَةُ الموت) اَية أسمعها كثيراً تتردّد
على شفاه الناس وأقرؤها على المقابر في الطريق.
ـ نعم الموت حقّ قلتها برهبة
وخشوع وخوف.
ــ اذا كان كذلك فلماذا التهرّب من حقيقة واقعة لا محال؟
أليس
من الاَجدار بنا أن نكون واقعيين، أو قل عمليين فنستعدّ لما هو اَت لا مناص منه،
ولا مهرب عنه، أطال بنا العمر أو قصر، فيكون مصدر العظة والاعتبار؟
ولكني لا
أعرف كيف يوصي الاِنسان؟
ــ يستحب لك أن تبدأ بالوصيّة التي علَّمها رسول الله
صلى الله عليه وآله للاِمام على عليه السلام وللمسلمين.
وما هي؟
ــ نهض أبي
لمكتبته وعاد ومعه كتاب عزيز عليه يسمّيه «الوسائل» فقرأ عليَّ منه نص الوصيّة التي
علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله للاِمام على عليه السلام والمسلمين.
وهأنذا أنقل اليكم ما قرأه وكتبته بالحرف الواحد:
«اللّهمَّ فاطر السموات
والاَرض عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرّحيم اللّهمَّ اِنّي أعهد اليك في دار
الدّنيا أني أشهد ألاّ اِله اِلاّ أنت وحدك لا شريك لك وان محمداً عبدك ورسولك وان
الجنّة حقّ والنار حقّ وأن البعث حقّ والحساب حقّ والقدر والميزان حقّ وان الدين
كما وصفت والاِسلام كما شرعت وأن القول كما حدثت وأن القراَن كما وصفت وانّك انت
الله الحقُّ المبين جزى الله محمداً خير الجزاء وحيّا محمداً واَل محمداً بالسلام.
اللّهم يا عدّتي عند كربتي وصاحبي عند شدّتي ويا وليّ نعمتي. اِلهي واِله
اَبائي لا تَكِلْني الى نفسي طرفة عينٍ أبداً فانّك اِن تَكِلْني الى نفسي أقرب من
الشر وابعد من الخير، فاَنس في القبر وحشتي واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً».
ثم يوصي الاِنسان بحاجته، أيّ حاجةٍ يشاء.
وبماذا يوصي؟
ــ يوصي
بالمحافظة على أولاده الصغار وعائلته مثلاً، يُوصي بصلة الرحم يوصي بتسديد ديونه
واداء اماناته، يوصي بقضاء ما فاته من صلاة وصيام وحج، يوصي بدفع خمس اموال لم
يخمّسها سابقاً أو زكاة استحقّت عليه ولم يخرجها، يوصي باطعام الفقراء بثوابه، يوصي
بالقيام بأعمال خاصة له بعده، يوصي بالتصدّق عنه، يوصي... يوصي، يوصي بما يشاء.
قال أبي ذلك واردف:
ويشترط فيمن يوصي البلوغ، والعقل، والاختيار، والرشد
فلا تصحّ وصيّه السفيه في امواله ولا الاِنسان المكره، ولا الصبي اِلاّ اذا بلغ
عشراً وكانت وصيته في وجوه الخير والمعروف ولاَرحامه وأقربائه.
وأن لا يكون
الموصي مقدماً على موته عامداً بتناول سمٍّ، أو احداث جرح عميق، أو ما شابه ذلك،
مما يجعله عرضة للموت.
ففي هذه الحالة لا تصح وصيته في ماله وتصح في غيره من
تجهيزه وما يتعلّق بشؤون القاصرين من اولاده مثلاً ونحو ذلك.
وأضاف أبي:
يسمّى الشخص الذي يختاره صاحب الوصيّة لتنفيذ وصيّته بــ «الوصي» وليس للوصي أن
يفوِّض أمر الوصية الى غيره اعني ان يعزل نفسه عن الوصاية ويجعلها له.
وله أن
يوكِّل من يثق به للقيام بشأن ما من شؤون الوصيّة، اذا لم يكن غرض صاحب الوصية
مباشرة الوصي ذلك الاَمر بنفسه.
وهل يشترط في الوصيّة أن تكون مكتوبة؟
ــ
كلاّ، يمكن للاِنسان أن يوصي باللفظ أو حتى بالاشارة المفهمة لما يريد.
كما
يكفي وجود كتابة بخطِّه أو امضائه، يظهر منها ارادة العمل بها بعد موته. (أي بعنوان
انّها وصيّته).
وهل يكتب الاِنسان وصيّته حال المرض فقط؟
ــ كلاّ، في
الحالين معاً: حال المرض وحال تمتعه بالصحة والعافية والسلامة.
ويوصي بما يريد؟
ــ نعم، شرط أن لا يكون في معصية، كمعونة الظالم وغيرها.
وبالمبالغ أو
المخلّفات التي يريد؟
يحق للاِنسان أن يوصي بما لا يزيد على ثلث ما تركه فقط من
اموال أو غيرها.
واذا أوصى بما زاد على ثلثه؟
ــ بطلت وصيّته فيما زاد على
الثلث اِلاّ اذا أجاز ذلك الورثة.
واذا اُريد تنفيذ الوصيّة؟
ــ تستثنى
أوّلاً من مجموع ما خلَّفه الموصي الحقوق المالية التي بذمَّته كالمال الذي
استدانه، وثمن الحاجات التي اشتراها ولم يسدّد ثمنها وغيرها. بما في ذلك الخمس، أو
الزكاة، والمظالم التي بذمّته، والحج الواجب بالاصل، سواء أوصى بذلك أم لا يوصي.
هذا اذا لم يوصي باِخراجها من الثلث واِلاّ اخرجت منه.
ثم يقسّم ما خلَّفه
ـ الباقي طبعاً ـ ثلاثاً أقسام:
ثلث منها لما أوصى به، وثلثان للورثة.
أحياناً يوصي الميت بدفع مبلغ معيّن الى شخص معيّن، أو بتمليك دار، أو عقار، أو
قطعة أرض، الى شخص معيّن. أو قد يأمر بدفنه في مكان معيّن أو بتجهيزه وفق ضوابط
خاصة، أو غير ذلك؟
يحق له كلّ ذلك ما لم يتجاوز الثلث بالنسبة الى الاموال.
قد يتلف شيء من مال الموصي بيد الوصي.
الوصي غير مسؤول عن تلف ما في يده
اِلاّ مع التّعدي أو التفريط.
قال أبي ذلك وأضاف:ــ
اذا لم تظهر علامات
الموت للاِنسان فالوصيّة مستحبّة، أمّا اذا ظهرت علامات الموت فتجب عليه حينئذٍ
أشياء منها:
1 ـ وفاء ديونه التي حان وقت وفائها مع قدرته على الوفاء.
أما
الديون التي لم يحن وقت وفائها، أو حلّ ولم يطالبه الديّان بها، أو لم يكن قادراً
على وفائها، فتجب عليه الوصيّة بها والاِستشهاد عليها اذا لم تكن معلومة عند الناس.
2 ـ ارجاع الاَمانات الى أهلها، أو اِعلام أصحابها باَمانتهم عنده، أو الاِيصاء
باِرجاعها.
3 ـ اداء الخمس والزكاة والمظالم فوراً، ان كان في رقبته شيء منها،
وكان قادراً على الاَداء.
4 ـ الوصية باتخاذ أجير من ماله ليصلّي ويصوم نيابة
عنه، ان كان في ذمّته شيء منها. بل لو لم يكن له مال واحتمل ان يقضيها عنه شخص
متبرِّعاً وجبت الوصيّة حينذاك، وفي بعض الحالات قد يكفي الاِخبار عمّا فاته عن
الوصيّة كما لو كان له من يطمئن بقضائه لما فات عنه كالولد الاَكبر.
5 ـ اِخبار
الورثة بما له من مال عند غيره، أو مال في مكان خاص لا يعلمه غيره، لئلاّ يضيع
حقّهم بعد وفاته.
قلت لي في بداية الحواريّة: اِن الوصيّة مستحبّة. فلو لم يوصّ
الاِنسان؟
ــ سقط حقّه في التصرّف بثلث ما تركه كما يحبّ ويشاء، حيث تقسّم
تركته وفق ضوابط خاصّة على ورثته.
وكيف تقسّم؟
ــ هذا ما سأتناوله في حواريّة الاِرث القادمة انشاء الله.