مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين

حواريّة النّذر والعهد واليمين

في طريق عودتي الى البيت سمعت الحوار التالي بين والدة وولدها:

الوالدة: لقد نذرت لله عزّ وجلّ أن أذبح خروفاً اِن شُفي أخوك الصغير من مرضه، وهاهو ذا شفي والحمد لله، فوجب عليّ أن أفي بالنّذر.

الولد: ألم أقل لك دائماً يا اُمّي: اِنّك تفضّلين أخي الصغير عليَّ.

الوالدة: ولِمَ ذاك.. ألم يكن مرض اخيك خطيراً.. ألم يفقد وعيه، فلم يعد يسمع ويرى.. ألم يقل الطبيب عنه لولا عناية الله به لما شفي.. ألم .. ألم.. أنسيت حالته، أليس من الواجب أن اشكر الله على شفائه، فأذبح خروفاً لله عزّ وجلّ حمداً له على نعمته؟!

أوَ يعني أني حين أنذر لله عزّ وجلّ راجية وطالبة شفاء أخيك من مرض خطير ألمَّ به، أني افضلّه عليك.. ألم نعقَّ عنك عقيقة.. خروفاً سميناً في اليوم السابع بعد ولادتك.. ألم نُضح عنك أضحية؟

عقيقة.. أضحية؟!

ما العقيقة؟.. وما الاَضحية؟

ــ العقيقة يا بني ـ قال أبي ـ أن يُذبح عن المولود ذكراً كان أو اُنثى في اليوم السابع من ولادته خروف أو بقرة مثلاً.. روي عن الاِمام الصادق عليه السلام: «يسمّى الصبي في اليوم السابع، ويُعَقَّ عنه، ويحلق رأسه، ويتصدّق بزنة الشعر فضة، وترسل الرجل والفخذ للقابلة التي عاونت الاُم في وضع الحمل، ويطعم الناس بالباقي منها، ويتصدّق به». ويكره للاَب أو أحد عياله ولاسيّما الاُم أن يأكل من عقيقة صبيّه.

والعقيقة سنّة مؤكّدة لمن يقدر عليها، روى عن الاِمام الباقر عليه السلام انّه قال: «ان رسول الله صلى الله عليه وآله أذَّن في اُذن الحسنين (صلوات الله عليهما) يوم ولادتهما وعقّ عنهما، في اليوم السابع».

ومن لم يعقّ عنه أبوه جاز له ان يعقَّ هو عن نفسه بعد ذلك عندما يكبر، فقد سأل عمر بن يزيد الاِمام الصادق عليه السلام قائلاً: «انّي والله ما أدري كان أبي عقَّ عني أم لا. فأمره عليه السلام بالعقيقة، فعقَّ عن نفسه وهو شيخ».

هذه العقيقة. ولكن ما هي الاَضحية؟

ــ الاَضحية ـ قال أبي ـ أن يذبح الاِنسان ـ اِن تمكن ـ خروفاً مثلاً، ويا حبَّذا لو كان سميناً يوم العيد ـ عيد الاَضحى ـ وهي سُنَّة مؤكّدة كذلك، ويجوز التبرّع بالاَضحية عن الحيّ والميّت على السّواء بما في ذلك عن الصبي الصغير. فقد ضحّي رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه، وضحّى عمّن لم يضح من أهل بيته، وضحّى عمّن لم يضح من اُمّته، كما كان يضحّى أمير المؤمنين عليه السلام كل سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

وهل وفاء تلك الاُم بنذرها واجب عليها أو هو كالعقيقة والاَضحية غير واجب بل مستحبّ مؤكّد؟

ــ دعني أقل لك أوّلاً ما هو النّذر.

النّذر: أن تلتزم بفعل شيء معيّن، أو ترك شيء معيّن لله تعالى.. أيّ شيء كان.

ولكن ليس دائماً يجب الوفاء بالنّذر، واِنّما بشروط لو تحقّقت وجب الوفاء به.

وما هي الشروط التّي لو تحقّقت يجب الوفاء بالنّذر؟

ــ الشروط هي:

1 ـ أن ينشأ النّذر بصيغة تشتمل على قوله «لله» أو ما يشابهها من أسمائه المختصّة به جلّ وعلا، فلو قال الناذر الصيغة المعيّنة التالية: «لله عليَّ.. كذا» انعقد نذره كأن يقول مثلاً: «لله عليَّ أن أذبح خروفاً وأتصدَّق بلحمه على الفقراء اِن شُفي ولدي».

أو يقول: «لله عليَّ أن أدع وأترك التعرَّض لجاري بسوء»، أو غير ذلك، سواء أدّاها باللغة العربيّة أم بغيرها من اللغات.

ولو لم يقل الناذر «لله عليَّ» ولا قال «للرّحمن عليَّ» ولا أشباهها، كما تنذر اليوم غالبية الناس؟

ــ لا يجب عليه الوفاء بالنّذر حينئذٍ.

2 ـ أن يكون الشيء المنذور حسناً راجحاً شرعاً حين العمل.

واذا كان الشيء المنذور غير راجح وغير حسن، بل كان مكروهاً أو مضرّاً أو مباحاً.

ــ لا يصحّ النّذر في الاَوّلين، أمّا المباح فاِن قصد به معنىً راجحاً كما لو نذر شرب الماء قاصداً به أن يتقوّى به على العبادة انعقد نذره، واِلاّ لم ينعقد.

3 ـ يشترط في الشخص الناذر البلوغ، والعقل، والاِختيار، والقصد، وعدم الحجر عمّا تعلق به نذره.

4 ـ أن يكون الشيء المنذور مقدوراً أو مستطاعاً للنّاذر.

ولو نذر انسان شيئاً لا يقدر عليه ولا يستطيع؟

ــ لا يصحّ النّذر.

واذا نذر الاِنسان وفق الشروط مارّة الذكر؟

ــ وجب عليه الوفاء بنذره والاِلتزام بما نذر، سواء أكان فعل شيء لله عزّ وجلّ، أم تركه، في زمن محدّد، أم طيلة حياته، صلاة كان ذلك الشيء، أم صوماً، أم صدقة، أم زيارة، أم حجّاً، أم تبرّعاً بشيء، أم ترك شيء، أم غير ذلك.

واذا خالف الاِنسان نذره عامداً.

ــ وجبت عليه الكفارة وهي: عتق رقبة، أو اِطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم.

واذا عجز عن ذلك لفقره مثلاً؟

يجب عليه صيام ثلاثة أيّام متواليات.

لو نذر الاِنسان مالاً لمشهدٍ من المشاهد المقدّسة؟

ــ ينفق ذلك المال على عمارته، أو اِنارته، أو فرشه، أو تدفئته، أو تبريده، أو ما شاكل ذلك من شؤون المشهد، اذا لم يقصد الناذر مصرفاً معيّناً من المذكورات أو غيرها.

ولو نذر لشخص صاحب المشهد كالنّبي صلى الله عليه وآله أو الاِمام عليه السلام أو لبعض أولادهما؟

ــ ينفق على زواره الفقراء مثلاً، أو على حرمه الشريف، ونحو ذلك.

اذا ظنّ الاِنسان ظنّاً قويّاً أنّه قد نذر نذراً معيّناً، فهل يجب عليه الوفاء به؟

ــ اذا اطمأن بأنّه نذر وجب عليه الوفاء بالنّذر واِلاّ فلا يجب عليه الوفاء به.

قال ذلك أبي وأضاف:

وقد يعاهد الاِنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: «عاهدت الله أن أفعل..» أو يقول: «عليَّ عهد الله أنّه متى كان... فعليَّ...» فاذا قال ذلك وجب عليه الاِلتزام بما عاهد عليه.

معنى هذا أن العهد كالنذر، لا يصحّ بدون صيغة محدّدة؟

ــ نعم، كما أنّه لا يصحّ اِلاّ اذا كان ما عاهد الله عليه راجحاً ولو رجحاناً دنيويّاً شخصيّاً شريطة ان لا يكون مرجوحاً شرعاً. ويشترط في العهد ما يشترط في النذر وقد شرحت لك ذلك.

واذا خالف الاِنسان ما عاهد الله عليه؟

ــ وجبت عليه كفارة وهي عتق رقبة أو اِطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين.

قال ذلك أبي وأردف مضيفاً:

ويجب الوفاء باليمين كذلك، ولو خالفها عامداً وجبت عليه كفّارة وهي: عتق رقبة أو اِطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. ومع العجز عن ذلك يصوم ثلاثة ايّام متواليات.

ويشترط في اليمين أو القسم اللفظ. وأن يكون القسم بالله تعالى، وأن يكون ما أقسم عليه مقدوراً ومستطاعاً حين الوفاء به، وراجحاً شرعاً ويكفي لو كان مباحاً اذا حلف أو أقسم على فعله لمصلحة دنيويّة ولو كانت شخصيّة ويشترط في الحالف التكليف والقصد والاختيار والعقل.

مثّل لي لليمين أو القسم التي يجب الوفاء بها؟

ــ اذا قال الاِنسان مثلاً: «والله لاَفعلنَّ»، أو قال: «بالله لاَفعلنَّ»، أو قال: «أقسم بالله»، أو قال: «اقسم بربِّ المصحف»، أو غير ذلك.

واذا قال الاِنسان مخاطباً شخصاً اَخر قائلاً له: «والله لتفعلنَّ»؟

ــ لا يتعلّق اليمين أو القسم بفعل الاِنسان الاَخر، ولا بالزمن الماضي، ولذلك فلا يترتب أي اثر على يمين كهذا.

كما لا ينعقد يمين أو قسم الولد اذا منعه أبوه، ويمين الزّوجة اذا منعها زوجها.

واذا أقسم الولد من دون اِذن أبيه والزّوجة من دون اِذن زوجها كان للاَب والزوج حلّ اليمين أو القسم.

قد يحلف أو يقسم الاِنسان على صدق كلامه وهو صادق بالفعل، أو يحلف على شيء معيّن وهو صادق في حلفه؟

ــ الاَيمان الصادقة ليست محرّمة ولكنّها مكروهة.

أما الاَيمان الكاذبة فهي محرّمة، بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة اِلاّ عند الضرورة.

وكيف ذلك؟

ــ اذا قصد الاِنسان أن يدفع بقسمه أو حلفه الظالم عن نفسه أو عن المؤمنين فهذا القسم جائز، بل ربّما يكون القسم الكاذب واجباً كما اذا هدَّد الظالم نفس المؤمن أو عرضه أو نفس مؤمنٍ اَخر أو عرضه، ولكن اذا اِلتفت الى امكان التورية، وكان عارفاً بها وهي متيسّرة له [فعليه أن يوري في كلامه].

ما تقصد بــ(يوري في كلامه).

التورية، ان يُقصَد بالكلام معنىً غير معناه الظاهر، من دون نصب قرينة موضّحة لقصده، فلو سألك ظالم عن مكان احد المؤمنين وكنت تخشاه عليه تجيبه (ما رأيته) وقد رأيته قبل ساعة وتقصد بذلك انّك لم تره منذ دقائق.

وبها انهى حوارية اليوم والحمد لله رب العالمين