مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
جلس أبي جلسته المعتادة مزداناً به مكانه المخصّص
له كل يوم، وبدأ فأضفى على حوار اليوم اسم «الاستحاضة».
وما أن أتمت كلمة
الاستحاضة تكوينها اللفظي واستوت كجسدٍ من كلام حتى خطر في ذهني ان حروف الكلمة هي
حروف كلمة الحيض، مصاغة منها، أو محورة عنها واِذ استولى عليَّ هذا الخاطر برق في
ذهني خيط من دم راعف، وأخذ يتشكّل متخذاً هيئة امرأة.
فقلت: وهل الاستحاضة
من مختصّات النساء؟
قال: نعم.
قلت: وهل هي نضح دموي..؟
قال: نعم..
ولكن..
ولكن ماذا؟
ـ لكن شرط أن لا يكون دم حيض، ولا نفاس، ولا جرح، ولا
قرح ولا افتضاض بكارة.
قلت: معنى هذا أن الاستحاضة هي كل دم لا يكون حيضاً ولا
نفاساً ولا جرحاً ولا قرحاً ولا دم تمزق غشاء البكارة.
قال: نعم.
قلت:
هذه دماء عديدة.
قال: بعضها دليل خصوبة المرأة وشبابها. ألا ترى انّها حين
تشيخ وينقطع عنها دم الحيض لا تنجب.
قلت: دم الجروح والقروح والنفاس معروف
عادة. ولكن كيف تعرف المرأة أن هذا الدم دم استحاضة. وليس دم حيض.
قال: تذكَّر
مواصفات دم الحيض؟
قلت: نعم، فهو دم أحمر أو أسود، يخرج بحرقة، وحرارة.
قال: غالباً ما تكون مواصفات دم الاستحاضة مخالفة لمواصفات دم الحيض، فدم
الاستحاضة غالباً اصفر اللون، ورقيق، ويخرج بلا لذعٍ ولا حرقة.
قلت: وكيف تشخص
المرأة أن هذا الدم ليس دم تمزّق غشاء البكارة اِذا صادف ذلك يوم الزواج؟
قال:
دم تمزّق غشاء البكارة يحيط بالقطنة، ويطوِّقها كهلال من دم، بينما قد تنغمس القطنة
بدم الاستحاضة، وقد يزيد فيتجاوزها اِلى ما ربطتها به؟
اذن دم الاستحاضة قد
يستوعب القطنة بخضابة؟
ـ نعم، وقد لا يستوعبها، فالاستحاضة علي ثلاثة أقسام:
استحاضة كثيرة: اِذا انغمست القطنة بالدم وزاد، فتجاوزها اِلى ما ربطتها به
ولوّثه.
واستحاضة متوسطة: اِذا انغمست القطنة بالدم، ولكنّه توقف عندها فلم
يتجاوز اِلى ما ربطتها به.
واستحاضة قليلة: اِذا لوَّن الدّم القطنة ولم
يغمسها، لقلته.
وما حكم كل منها؟
ـ في الاستحاضة الكثيرة، يجب علي
المرأة أن تغتسل ثلاثة اغسال، غسلاً لصلاة الصبح، وغسلاً لصلاتي الظهر والعصر اِذا
جمعتهما وغسلاً لصلاتي المغرب والعشاء اِذا جمعتهما.
واذا فرّقت بينهما؟
ـ اغتسلت لكل صلاة.
وهل هذا حكمها في مطلق الاَحوال؟
ـ لا، بل هذا
حكمها فيما اِذا كان الدم صبيباً لا ينقطع بروزه على القطنة وامّا اِذا كان بروزه
عليها متقطعاً بحيث تتمكن من الاغتسال والاتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم
عليها مرّة اخرى [فعليها تجديد الغسل كلما برز الدم، فلو اغتسلت وصلت الظهر ثمّ برز
الدم على القطنة قبل صلاة العصر أو في اثنائها وجب عليها الاغتسال لها] ولو كان
الفصل بين البروزين بمقدارٍ تتمكّن فيه من الاتيان بصلاتين أو عدة صلوات جاز لها
ذلك من دون حاجةٍ الى تجديد الغسل.
هذا في الاستحاضة الكثيرة.
وفي
الاستحاضة المتوسطة يجب عليها ان تتوضأ لكل صلاة [وتغتسل في كل يوم مرّة واحدة قبل
وضوءاتها].
اضرب لي مثلاً علي ذلك.
ـ قبل صلاة الفجر ـ مثلاً ـ
اكتشفت المرأة انها مستحاضة فاختبرت نفسها فكانت استحاضتها متوسطة [تغتسل] ثم تتوضأ
لصلاة الفجر ويكفيها غسلها هذا لكل صلوات ذلك اليوم مع وضوء لكل صلاة، فان حلّ
اليوم الثاني [اغتسلت] ثم توضأت وهكذا لو توالت بتلك الصفة فلم تنقص ولم تزد.
وفي الاستحاضة القليلة: يجب عليها فقط ان تتوضأ لكل صلاة واجبة كانت أم
مستحبة.
وهل تتبدل استحاضة المرأة من قسم الى قسم؟
ـ نعم قد تتبدّل
فتتحول القليلة الى كثيرة، والكثيرة اِلى قليلة، وهكذا.
وكيف تعرف المرأة
بتحوّل استحاضتها؟
ـ [عليها أن تختبر نفسها قبل الصلاة لتعرف ذلك]، ثمّ لتعمل
وفق ما تقتضيه نتيجة الاختبار. فاذا تبيّن أنها استحاضة قليلة عملت بما تمليه عليها
أحكام الاستحاضة القليلة. واِن تبين أنّها استحاضة متوسطة عملت بما تمليه عليها
أحكام الاستحاضة المتوسطة وهكذا.
والقطنة المنقوعة بالدم والشداد وما
ربطتها به اِذا لاقى الدّم؟
ـ يحسُن بها ان تبدلهما أو تطهرهما لكل صلاة اِذا
كانت استحاضتها قليلة أو متوسطة واما اِذا كانت كثيرة [فيلزمها ذلك ان امكنها]
وتتحفظ من خروج الدم للفترة من نهاية الغسل اِلى نهاية الصلاة، اِذا لم يضر بحالها
تحفّظها.
وهل عليها أن تسرع اِلى الصلاة بعد الاتيان بما عليها من
الطهارة؟
ـ [نعم].
ـ وماذا يترتّب على الاستحاضة من أحكام؟
ـ أوّلاً:
يجب على المستحاضة أن تتطهّر بعد انقطاع الدم للصلاة الاَتية بالوضوء اِن كانت
استحاضتها قليلة أو متوسطة وبالغسل اِن كانت استحاضتها كثيرة.
ثانياً: يحرم
على المستحاضة بأقسامها الثلاثة مسّ كتابة القرآن الكريم قبل تحصيل طهارتها ويجوز
بعده قبل اتمام صلاتها.
ثالثاً: يجوز طلاق المستحاضة أثناء الاستحاضة.
رابعاً: لا يترتب على الاستحاضة ما كان يترتّب على الحيض: من حرمة الاتصال
الجنسي، وحرمة دخول المساجد، والمكث فيها، ووضع شيء فيها، وقراءة آيات السجدة.
خامساً: يصحّ الصوم في الاستحاضة القليلة والمتوسطّة واِن لم تأت المستحاضة بما
يجب عليها للصلاة من الوضوء أو الغسل. واما المستحاضة استحاضة كثيرة فذهب جمع من
الفقهاء رضوان الله عليهم اِلى ان صحة صومها تتوقّف على اتيانها بما يجب عليها من
غسل الليلة السابقة على يوم الصوم ومن اغسال نهارية. ولكن الاَصحّ أنّه لا يتوقف
على ذلك صحة صومها.
سادساً: لا يجب على المستحاضة الكثيرة الوضوء مع الاَغسال ويجب على المستحاضة المتوسطة الوضوء بعد الغسل [الواجب عليها].