مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
الاقتراض ـ الاِيداع
المصاريف والبنوك في الدول الاسلامية على ثلاثة أصناف:
1 ـ الاَهلي: وهو الذي يكون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين.
2 ـ الحكومي: وهو الذي يكون رأس ماله مكوّناً من أموال الدولة.
3 ـ المشترك: وهو الذي تشترك الدولة والاَهالي في تكوين رأس ماله.
مسألة 1 :
لا يجوز الاقتراض من البنوك الاَهلية بشرط دفع الزيادة لاَنّه رباً محرّم، ولو اقترض كذلك صحّ القرض وبطل الشرط، ويحرم دفع الزيادة وأخذها وفاءً للشرط.
وقد ذكر للتخلّص من الربا طرق:
منها: اأن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوِّض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10% أو 20% مثلاً بشرط أن يقرضه مبلغاً معيّناً من النقد لمدّة معلومة يتفقان عليها، أو يبيعه متاعاً بأقلّ من قيمته السوقية ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيّناً لمدّة معلومة، فيقال: إنّه يجوز الاقتراض عندئذٍ ولا ربا فيه.
ولكنّه لا يخلو عن إشكال، والاَحوط لزوماً الاجتناب عنه، ومثله الحال في الهبة والاِجارة والصلح بشرط القرض.
وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الاِمهال في أداء الدين شرطاً فيها.
ومنها: تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيّناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة وعشرين دينار ـ نسيئة لمدّة شهرين مثلاً.
ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير إنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال.
نعم، لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً، ويجعل الثمن المؤجَّل عملة أُخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد ا لمائة والعشرون على المائة ، وفي نهاية المدّة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقرّرة أو ما يساويها من الدنانير، ليكون من الوفاء بغير الجنس.
ومنها: أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدّة شهرين مثلاً، ثم يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص عنها كمائة دينار.
وهذا أيضاً لا يصحّ إذا اشترط في البيع الاَول قيام البنك بشراء البضاعة نقداً بالاَقلّ من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنيّاً على ذلك ، وأمّا مع خلّوه عن الشرط فلا بأس به.
ويلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها ـ لو صحّت ـ لا تحقّق للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخّر عن أداء دينه عند نهاية الاَجل وازدياده كلّما زاد التأخير، فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرّم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً.
مسألة 2 :
لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لاَنّه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه، ولو اقترض كذلك بطل الشرط كما يبطل اصل القرض وان خلى عن شرط الزيادة، لاَنّ البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملّكه للمقترض.
وللتخلص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض، ويتصرف فيه بإذن الحاكم الشرعي، ولا يضرّه العلم بأنّ البنك سوف يستوفي منه أصل المال والزيادة قهراً، فلو طالبه البنك جاز له الدفع اليه.
مسألة 3 :
يجوز الاِيداع في البنوك الاَهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة، لا بمعنى ان يبني في نفسه على أنّ البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه، فإنّ البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر.
مسألة 4 :
لا يجوز الاِبداع في البنوك الاَهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة، ولو فعل ذلك صحّ الاِبداع وبطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه، ولكن يجوز له التصرّف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب ـ .
مسألة 5 :
لا يجوز الايداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى اقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة، فانه ربا، بل إيداع المال فيها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الاتلاف له شرعاً لان ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك، بل من المال المجهول مالكه، وعلى ذلك يشكل إيداع الارباح والفوائد التي يجنيها الشخص اثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها لانه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذوناً في إتلافه فلو اتلفه ضمنه لاصحابه، هذا إذا لم يقع الايداع بأذن الحاكم الشرعي مع ترخيصه للبنك في اداء عوض المال المودع مما لديه من الاَموال، واما الايداع مع الاذن والترخيص المذكورين ـ كما صدر ذلك منّا للمؤمنين كافة ـ فيقع صحيحاً ويجري عليه حكم الاَيداع في البنك الاهلي، وأما الزيادة الممنوحة من قِبَل البنك وفق قوانينه فنأذن للمودعين بالتصرف في النصف منها مع التصدق بالنصف الاخر على الفقراء المتدينين.
مسألة 6 :
لا فرق في الاِيداع ـ فيما تقدّم ـ بين الاِيداع الثابت الذي له أمد خاصّ ـ بمعنى أنّ البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ وبين الاِيداع المتحرّك ـ المسمّى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزماً بوضع المال تحت الطلب.
مسألة 7 :
تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدّم من الاَحكام، لاَنّ الاَموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرّف فيها من دون إذن الحاكم الشرعي.
مسألة 8 :
ما تقدّم كان حكم الاِيداع والاقتراض من البنوك الاَهلية والحكومية في الدول الاِسلامية، وأمّا البنوك التي يقوم غير المسلمين بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الاِيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة، لجواز أخذ الربا منهم.
وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام، ويمكن التخلّص منه بقبض المال من البنك وتملّكه لا بقصد الاقتراض، فيجوز له التصرّف فيه بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي.