مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
تمهيدات:
الأوّل: يمتاز البيع عن القرض في أنّ البيع تمليك عين بعوض لا مجّاناً، والقرض تمليك للمال بالضمان في الذمّة بالمثل إذا كان مثليّاً وبالقيمة إذا كان قيميّاً (7) .
كما يمتاز عنه في أنّ البيع الربويّ باطل من أصله، دون القرض الربويّ، فإنّه باطل بحسب الزيادة فقط، وأمّا أصل القرض فهو صحيح.
ويمتاز عنه أيضاً في أنّ كلّ زيادة في القرض إذا اشترطت تكون رباً ومحرّمة دون البيع، فإنّه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في المكيل والموزون من العوضين المتّحدين جنساً، وأمّا لو اختلفا في الجنس، أو لم يكونا من المكيل والموزون، فإن كانت المعاملة نقديّة، فلا تكون الزيادة رباً، وأمّا لو كانت المعاملة مؤجّلة كما لو باع مائة بيضة بمائة وعشر إلى شهر، أو باع عشرين كيلواً من الأرز بأربعين كيلواً من الحنطة إلى شهر، ففي عدم كون ذلك من الربا إشكال، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه.
الثاني: الأوراق النقديّة بما أنّها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة، وأمّا مع الاتّحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً، وأمّا نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدّم والأحوط لزوماً التجنّب عنه، وعلى ذلك فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقيّة مثلاً أن يبيع دينه بالأقلّ منها كتسعة دنانير نقداً، كما يجوز له بيعه بالأقلّ منها من عملة أُخرى كتسعة دنانير أُردنيّة نقداً، ولا يجوز ذلك نسيئة لأنّه لا يجوز بيع ما یكون دیناً قبل العقد بما یكون دیناً بالعقد مؤجّلاً.
الثالث: الكمبيالات المتداولة بين التجّار في الأسواق لم تعتبر لها ماليّة كالأوراق النقديّة، بل هي مجرّد وثيقة لإثبات أنّ المبلغ الذي تتضمّنه دين في ذمّة موقّعها لمن كتبت باسمه، فالمعاملات الجارية عليها لا تجري على أنفسها، بل على النقود التي تعبّر عنها، وأيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لا يدفع بذلك ثمن البضاعة إليه ولا تفرغ ذمّته منه، ولذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لا يتلف منه مال بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقديّة وتلفت عنده أو ضاعت.
مسألة 28 : الكمبيالات على نوعين:
أ. ما يعبّر عن وجود قرض واقعيّ، بأن يكون موقّع الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمّنه.
ب. ما يعبّر عن وجود قرض صوريّ لا واقع له.
أمّا في الأوّل: فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجّل الثابت في ذمّة المدين بأقلّ منه حالّاً، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية وتسعين ديناراً نقداً وبعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين (موقّع الكمبيالة) بقيمتها عند الاستحقاق.
وأمّا في الثاني: فلا يجوز للدائن الصوريّ بيع ما تتضمّنه الكمبيالة، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمّة الموقِّع للموقَّع له (المستفيد) بل إنّما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب ولذا سمّيت (كمبيالة مجاملة).
ومع ذلك يمكن تصحيح خصمها بنحو آخر، بأن يوكّل موقّع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمّته علی البنك - مثلاً - بأقلّ منها نقداً، مراعياً الاختلاف بين العوضين في الجنس، كأن تكون قيمتها خمسين ديناراً عراقيّاً والثمن ألف تومان إيرانيّ مثلاً، وبعد هذه المعاملة تصبح ذمّة موقّع الكمبيالة مشغولة للبنك بخمسين ديناراً عراقيّاً إزاء ألف تومان إيرانيّ، ويوكّل الموقّع أيضاً المستفيد في بيع الثمن - وهو ألف تومان - علی نفسه بما يعادل المثمن وهو خمسون ديناراً عراقيّاً، وبذلك تصبح ذمّة المستفيد مدينة للموقّع بمبلغ يساوي ما كانت ذمّة الموقّع مدينة به للبنك.
ولكن هذا الطريق قليل الفائدة، حيث إنّه إنّما يفيد فيما إذا كان الخصم بعملة أجنبيّة، وأمّا إذا كان بعملة محلّيّة فلا أثر له، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذٍ على ما عرفت من الإشكال في بيع المعدود مع التفاضل نسيئة، وأمّا خصم قيمة الكمبيالة الصوريّة لدى البنك على نحو القرض، بأن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقلّ من قيمة الكمبيالة الاسميّة، ثُمَّ يحوّل البنك الدائن على موقّعها بتمام قيمتها، ليكون من الحوالة على البريء، فهذا رباً محرّم، لأنّ اشتراط البنك في عمليّة الاقتراض (الخصم) اقتطاع شيء من قيمة الكمبيالة إنّما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرّم شرعاً ولو لم تكن الزيادة بإزاء المدّة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال كتسجيل الدين وتحصيله ونحوهما، لأنّه لا يحقّ للمقرض أن يشترط على المقترض أيّ نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه المال.
هذا إذا كان البنك أهليّاً، وأمّا لو كان حكوميّاً أو مشتركاً في بلد إسلاميّ فيمكن التخلّص من ذلك بأن لا يقصد المستفيد في عمليّة الخصم لديه شيئاً من البيع والاقتراض، بل يقصد الحصول على ذلك المال فيقبضه ويتصرّف فيه بإذن الحاكم الشرعيّ، فإذا رجع البنك في نهاية المدّة إلى موقّع الكمبيالة وألزمه بدفع قيمتها، جاز له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقّع الكمبيالة بأمر وطلب منه.