مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين

منهاج الصالحين

الفصل الثامن الدفن

يجب دفن الميّت المسلم ومن بحكمه، ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مرّ، وكيفيّة الدفن أن يوارى في حفيرة في الأرض، فلا يجزیٔ البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يُؤْمَن على جسده من السباع وإيذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع، أو مَن تؤذيه رائحته من الناس، أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته، ولكن الأحوط استحباباً أن تكون الحفيرة بنفسها على كيفيّة تمنع من انتشار رائحة الميّت ووصول السباع إلى جسده، ويجب وضعه على الجانب الأيمن موجّهاً وجهه إلى القبلة، وإذا اشتبهت القبلة ولم يمكن تأخير الدفن إلى حين حصول العلم أو ما بحكمه وجب العمل بالاحتمال الأرجح بعد التحرّي بقدر الإمكان، ومع تعذّر تحصيله يسقط وجوب الاستقبال، وإذا كان الميّت في البحر ولم ‏يمكن دفنه في البرّ - ولو بالتأخير - غُسِّل وكُفِّن وحُنِّط وصُلِّي عليه ووضع في خابية وأُحكم رأسها وأُلقي في البحر، أو ثُقِّل بشدِّ حجر أو نحوه برجليه ثُمَّ يُلقى في البحر، والأحوط استحباباً اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان وكذلك الحكم إذا خيف على الميّت من نبش العدوّ قبره وتمثيله.

مسألة 317 : لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكافرين، وكذا العكس.

مسألة 318 : إذا ماتت الحامل الكافرة ومات في بطنها حملها من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين على جانبها الأيسر مستدبرة للقبلة، والأحوط الأولى العمل بهذا وإن كان الجنين لم ‏تلجه الروح.

مسألة 319 : لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة والبالوعة، ولا في المكان المملوك بغير إذن المالك، أو الموقوف لغير الدفن - كالمدارس والمساجد والحسينيّات المتعارفة في زماننا والخانات الموقوفة - وإن أذن الوليّ بذلك، هذا إذا كان يضرّ بالوقف أو يزاحم الجهة الموقوف لها، وأمّا في غير هاتين الصورتين فالحكم مبنيّ على الاحتياط اللزوميّ.

مسألة 320 : لا يجوز نبش قبر ميِّت لأجل دفن ميّت آخر فيه قبل اندراس الميّت الأوّل وصيرورته تراباً، نعم إذا كان القبر منبوشاً جاز الدفن فيه ما لم‏ يستلزم محرّماً كالتصرّف في ملك الغير بلا مسوّغ.

مسألة 321 : ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالی عليهم) أنّه: يستحبّ حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، وأن يُجعل له لحدٌ ممّا يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس، وفي الرخوة يشقّ وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميّت ويسقّف عليه ثُمَّ يهال عليه التراب، وأن يغطّى القبر بثوب عند إدخال المرأة، والأذكار المخصوصة المذكورة في محالّها عند تناول الميّت، وعند وضعه في اللحد، وما دام مشتغلاً بالتشريج.

والتحفّي وحلّ الأزرار وكشف الرأس للمباشر لذلك، وأن تُحلّ عُقَدُ الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يُحْسَر عن وجهه ويجعل خدّه على الأرض، ويُعمل له وسادة من تراب، وأن يُوضع شيء من تربة الحسين (علیه السلام) معه، وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمّة (علیهم السلام) وأن يسدّ اللحد باللَّبِن، وأن يخرج المباشر من طرف الرجلين، وأن يهيل الحاضرون - غير ذي الرحم - التراب بظهور الأكُفّ، وطمّ القبر وتربيعه لا مثلّثاً، ولا مخمّساً، ولا غير ذلك.

ورشّ الماء عليه دَوْراً مستقبل القبلة، ويبتدئ من عند الرأس فإن فضل شيء صبّ على وسطه، ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرشّ - ولا سيّما لمن لم‏ يحضر الصلاة عليه - وإذا كان الميّت هاشميّاً فالأولى أن يكون الوضع على وجه يكون أثر الأصابع أزيد بأن يزيد في غمز اليد، والترحّم عليه بمثل: (اللّهم جافِ الأرض عن جنبيه، وصعِّد روحه إلى أرواح المؤمنين في علّيّين وألحقه بالصالحين)، وأن يلقّنه الوليّ بعد انصراف الناس رافعاً صوته، وأن يُكتب اسم الميّت على القبر أو على لوح أو حجر وينصب على القبر .

مسألة 322 : ذكر الفقهاء (رحمهم الله تعالى) أنّه: يكره دفن ميّتين في قبر واحد، ونزول الأب في قبر ولده، وغير المَحْرم في قبر المرأة، وإهالة الرحم التراب، وفرش القبر بالساج من غير حاجة، وتجصيصه وتطيينه وتسنيمه، والمشي عليه والجلوس والاتّكاء، وكذا البناء عليه وتجديده بعد اندراسه إلّا قبور الأنبياء والأوصياء (علیهم السلام) والعلماء والصلحاء.

مسألة 323 : يكره نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر، إلّا المشاهد المشرّفة، والمواضع المحترمة فإنّه يستحبّ، ولا سيّما الغريّ والحائر الحسينيّ، وفي بعض الروايات أنّ من خواصّ الأوّل إسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير، ولكن إذا استلزم النقل إليها أو إلى غيرها تأخير الدفن إلى حين فساد بدن الميّت ففي جواز التأخير إشكال والأحوط لزوماً تركه.

مسألة 324 : لا فرق في جواز النقل - في غير الصورة المذكورة - بين ما قبل الدفن وما بعده إذا اتّفق ظهور جسد الميّت، وفي جواز النبش للنقل إلى المشاهد المشرّفة حتّى مع وصية الميّت به - أي بالنبش - أو إذن الوليّ فيه وعدم استلزامه هتك حرمته إشكال والأحوط لزوماً تركه، نعم إذا أوصى بالنقل إليها ولم ‏يكن موجباً لفساد بدنه ولا لمحذور آخر فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها يجب النبش والنقل ما لم‏ يفسد بدنه ولم‏ يلزم منه محذور آخر .

مسألة 325 : يحرم نبش قبر المسلم على نحو يظهر جسده، إلّا مع العلم باندراسه وصيرورته تراباً، من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون، ويستثنى من ذلك موارد:

منها: ما إذا دفن في موضع يوجب مهانة عليه كمزبلة أو بالوعة أو نحوهما، أو في موضع يتخوّف فيه على بدنه من سيل أو سَبُع أو عدوّ .

ومنها: ما إذا عارضه أمر أهمّ أو مساوٍ، كما إذا توقّف إنقاذ حياة مسلم بريء على رؤية جسده.

ومنها: ما إذا دفن معه مال غصبه من غيره - من خاتم ونحوه - فينبش لاستخراجه، ومثل ذلك ما إذا دفن في ملك الغير من دون إذنه أو إجازته إذا لم‏ يلزم من نبش قبره وإخراجه محذور أشدّ - كبقائه بلا دفن أو تقطّع أوصاله بالإخراج أو نحوه - وإلّا لم يجز ، بل جوازه فيما إذا فرض كونه موجباً لهتك حرمته - ولم يكن هو الغاصب - محلّ إشكال، فالأحوط لزوماً للغاصب في مثل ذلك إرضاء المالك بإبقائه في أرضه ولو ببذل عوض زائد إليه.

ومنها: ما إذا دفن بلا غُسل أو بلا تكفين أو بلا تحنيط مع التمكّن منها، أو تبيّن بطلان غُسله أو تكفينه أو تحنيطه، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعيّ، لوضعه في القبر على غير القبلة، أو في مكان أوصى بالدفن في غيره، أو نحو ذلك فيجوز نبشه في هذه الموارد إذا لم ‏يلزم هتك لحرمته، وإلّا ففيه إشكال.

مسألة 326 : لا يجوز على الأحوط لزوماً توديع الميّت بوضعه على وجه الأرض والبناء عليه تمهيداً لنقله إلى المشاهد المشرّفة مثلاً، كما لا يجوز على الأحوط لزوماً وضعه في برّاد أو نحوه لفترة طويلة من غير ضرورة تقتضيه.

مسألة 327 : لا يكفي في الدفن مجرّد وضع الميّت في سرداب وإغلاق بابه وإن كان مستوراً فيه بتابوت أو شبهه، نعم يكفي إذا كان بابه مبنيّاً باللَّبِن أو نحوه، ولكن الأحوط لزوماً حينئذٍ عدم فتح بابه لإنزال ميّت آخر فيه سواء أظَهَر جسد الأوّل أم لا.

مسألة 328 : إذا مات ولد الحامل دونها، فإن أمكن إخراجه صحيحاً وجب وإلّا جاز تقطيعه، ويتحرّى الأرفق فالأرفق، وإن ماتت هي دونه، شقّ بطنها من الجانب الأيسر إذا كان ذلك أوثق ببقاء الطفل وأرفق بحياته، وإلّا فيختار ما هو كذلك، ومع التساوي يتخيّر، ثُمَّ يخاط بطنها وتدفن.

مسألة 329 : إذا كان الموجود من الميّت يصدق عليه عرفاً أنّه (بدن الميّت) كما لو كان مقطوع الأطراف (الرأس واليدين والرجلين) كُلّاً أو بعضاً، أو كان الموجود جميع عظامه مجرّدة عن اللحم أو معظمها بشرط أن تكون من ضمنها عظام صدره ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه، وكذا ما يتقدّمها من التغسيل والتحنيط - إن وجد بعض مساجده - والتكفين بالإزار والقميص بل وبالمئزر أيضاً إن وجد بعض ما يجب ستره به.

وإذا كان الموجود من الميّت لا يصدق عليه أنّه بدنه بل بعض بدنه فلو كان هو القسم الفوقانيّ من البدن - أي الصدر وما يوازيه من الظهر - سواء أكان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه وكذا التغسيل والتكفين بالإزار والقميص وبالمئزر إن كان محلّه موجوداً - ولو بعضاً - على الأحوط لزوماً، ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على الأحوط لزوماً، ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على الأحوط لزوماً.

وإذا لم يوجد القسم الفوقانيّ من بدن الميّت كأن وجدت أطرافه كُلّاً أو بعضاً مجرّدة عن اللحم أو معه، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا تجب الصلاة عليه بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه.

وإن وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب لم ‏يجب فيه أيضاً شيء ممّا تقدّم عدا الدفن، والأحوط لزوماً أن يكون ذلك بعد اللّف بخرقة.

مسألة 330 : السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسِّل وحُنِّط وكُفِّن ولم‏ يُصلّ عليه، وإذا كان لدون ذلك لُفَّ بخرقة على الأحوط وجوباً ودفن، لكن لو كان مستوي الخلقة حينئذٍ فالأحوط لزوماً جريان حكم الأربعة أشهر عليه.