مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
مسألة 682 : اليمين - ويطلق عليها الحلف والقسم أيضاً - على ثلاثة أنواع:
الأوّل : ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للأخبار عن تحقّق أمرٍ أو عدم تحقّقه في الماضي أو الحال أو الاستقبال، كما يقال: (والله جاء زيد بالأمس) أو (والله هذا مالي) أو (والله يأتي عمرو غداً) ویسمّی یمین الإخبار .
الثاني : ما يقرن به الطلب والسؤال ويقصد به حثّ المسؤول على إنجاح المقصود ويسمّى: (يمين المناشدة) كقول السائل: (أسألك بالله أن تعطيني ديناراً).
ويقال للقائل: (الحالِف) و(المُقْسِم)، وللمسؤول: (المحلوف عليه) و(المُقْسَم عليه).
الثالث : ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل، ويسمّى: (يمين العقد) كقوله: (والله لأصومنَّ غداً) أو (والله لأتْركنّ التدخين).
مسألة 683 : تنقسم اليمين من النوع الأوّل المتقدّم إلى قسمين: صادقة وكاذبة، والأيمان الصادقة كلّها مكروهة بحدّ ذاتها سواء أكانت على الماضي أو الحال أو المستقبل، وأمّا الأيمان الكاذبة فهي محرّمة - بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة كاليمين الغَمُوس، وهي: اليمين الكاذبة في مقام فصل الدعوى - ويستثنى منها اليمين الكاذبة التي يقصد بها الشخص دفع الظلم عنه أو عن سائر المؤمنين، بل قد تجب فيما إذا كان الظالم يهدّد نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن آخر أو عرضه، ولكن إذا كان ملتفتاً إلى إمكان التورية وكان عارفاً بها ومتيسّرة له فالأحوط وجوباً أن يُورّي في كلامه بأن يقصد بالكلام معنى غير معناه الظاهر بدون قرينة موضحة لقصده، فمثلاً إذا حاول الظالم الاعتداء على مؤمن فسأله عن مكانه وأين هو؟ يقول: (ما رأيته) فيما اذا كان قد رآه قبل ساعة ويقصد به أنّه لم يره منذ دقائق.
مسألة 684 : اليمين من النوع الأوّل المتقدّم لا يترتّب عليها أثر سوى الإثم فيما إذا كان الحالف كاذباً في إخباره عن تعمّد أو أخبر من دون علم، نعم ما تفصل بها الدعاوى والمرافعات لها أحكام خاصّة وتترتّب عليها آثار معيّنة كعدم جواز المقاصّة وقد مرّت الإشارة إليه في المسألة (886) من الجزء الثاني.
مسألة 685 : تجوز اليمين بغير الله تعالى من الذوات المقدّسة والأشياء المحترمة فيما إذا كان الحالف صادقاً فيما يخبر عنه، ولكن لا يترتّب عليها أثر أصلاً ولا تكون قسماً فاصلاً في الدعاوى والمرافعات.
مسألة 686 : لا تنعقد اليمين من النوع الثاني المتقدّم، ولا يترتّب عليها شيء من إثم ولا كفّارة لا على الحالف في إحلافه ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله.
وأمّا اليمين من النوع الثالث فهي التي تنعقد عند اجتماع الشروط الآتية ويجب برّها والوفاء بها ويحرم حنثها وتترتّب على حنثها الكفّارة، وهي موضوع المسائل الآتية.
مسألة 687 : لا تنعقد اليمين إلّا باللفظ أو ما هو بمثابته كالإشارة بالنسبة إلى الأخرس، وتکفي الكتابة للعاجز عن التكلّم، بل لا يترك الاحتياط في غيره، ولا يعتبر فيها العربيّة لا سيّما في متعلّقاتها.
مسألة 688 : لا تنعقد اليمين إلّا إذا كان المقسم به هو الله تعالى دون غيره مطلقاً، وذلك يحصل بأحد أُمور :
1 . ذكر اسمه المختصّ به كلفظ الجلالة، ويلحق به ما لا يطلق على غيره كالرحمٰن.
2 . ذكره بأوصافه وأفعاله المختصّة التي لا يشاركه فيها غيره كمقلّب القلوب والأبصار، والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، وأشباه ذلك.
3 . ذكره بالأوصاف والأفعال التي يغلب إطلاقها عليه بنحو ينصرف إليه تعالى وإن شاركه فيها غيره، كالربّ والخالق والبارئ والرازق وأمثال ذلك، بل لا يبعد ذلك فيما لا ينصرف إليه في نفسه ولكن ينصرف إليه في مقام الحلف كالحيّ والسميع والبصير .
مسألة 689 : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون المحلوف به ذات الله تبارك وتعالى دون صفاته وما يلحق بها، فلو قال: (وحقِّ الله، أو بجلالِ الله، أو وعظمةِ الله، أو بكبرياءِ الله، أو وقدرةِ الله، أو وعلمِ الله، أو لَعَمْرُ اللهِ) لم تنعقد إلّا إذا قصد ذاته المقدّسة.
مسألة 690 : لا يعتبر في انعقاد اليمين أن يكون إنشاء القسم بحروفه بأن يقول: (والله أو تالله لأفعلنَّ كذا) بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله: (أقسمتُ بالله أو حلفتُ بالله) انعقدت أيضاً، نعم لا يكفي لفظا (أقسمتُ) و(حلفتُ) بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.
مسألة 691 : يجوز الحلف بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) وسائر النفوس المقدّسة وبالقرآن الشريف والكعبة المعظّمة وسائر الأمكنة المحترمة ولكن لا تنعقد اليمين بالحلف بها ولا يترتّب على مخالفتها إثم ولا كفّارة.
مسألة 692 : لا تنعقد اليمين بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله (صلّى الله عليه وآله) أو من دينه أو من الأئمّة (عليهم السلام) بأن يقول مثلاً : (برئت من الله، أو من دين الإسلام إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا) فلا تؤثّر في ترتّب الإثم على حنثها، نعم هذه اليمين بنفسها حرام ويأثم حالفها من غير فرق بين أن يحنثها وعدمه، وتثبت الكفّارة في حنثها وهي إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مـدّ.
ومثل يمين البراءة في عدم الانعقاد أن يقول: (إن لم أفعل كذا، أو إن لم أترك كذا فأنا يهوديّ أو نصرانيّ مثلاً) ولكن لا ينبغي صدورها من المسلم.
مسألة 693 : لو علَّق اليمين على مشيئة الله تعالى بأن قال: (والله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله) وكان مقصوده التعليق على مشيئته تعالى لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة لم تنعقد حتّى فيما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام إلّا إذا قصد التعليق على مشيئته التشريعيّة، ولو علّق يمينه على مشيئة غير الله عزّ وجلّ بأن قال: (والله لأفعلنَّ كذا إن شاء زيد مثلاً) انعقدت على تقدير مشيئته، فإن قال زيد: (أنا شئت أن تفعل كذا) انعقدت وتحقّق الحنث بتركه، وإن قال: (لم أشأ) لم تنعقد، ولو لم يعلم أنّه شاء أو لم يشأ لم يترتّب عليها أثر أيضاً، وهكذا الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيئة فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير .
مسألة 694 : يعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحالف بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً غير محجور عن التصرّف في متعلّق اليمين، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون ولو أدواريّاً إذا حلف حال جنونه، ولا يمين المكره والسكران ومن اشتدّ به الغضب حتّى سلبه قصده أو اختياره، ولا يمين المُفْلِس إذا تعلّقت بما تعلّق به حقّ الغرماء من أمواله، ولا يمين السفيه سواء تعلّقت بعين خارجيّة أم بما في ذمّته، ولا يعتبر في الحالف أن يكون مسلماً فتصحّ يمين الكافر .
مسألة 695 : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج، حتّى فيما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، فلا حنث ولا كفّارة عليهما في صورة مخالفتها بترك الواجب أو فعل الحرام وإن ترتّبت عليهما آثارهما من الإثم وغيره.
ولو حلف الولد من دون إذن الأب، أو حلفت الزوجة من دون إذن زوجها، كان للأب والزوج حلّ يمینهما فلا حنث ولا كفّارة عليهما، وهل يعتبر إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما - حتّى أنّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلّا مع علمهما لم تنعقد من أصلها - أو لا، بل يكون منعهما مانعاً عن انعقادها وحلّهما رافعاً لاستمرارها، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المذكورتين؟ قولان، والصحیح هو الثاني.
مسألة 696 : تنعقد اليمين فيما إذا كان متعلّقها واجباً أو مستحبّاً أو ترك حرام أو مكروه، ولا تنعقد فيما إذا كان متعلّقها ترك واجب أو مستحبّ أو فعل حرام أو مكروه، وأمّا إذا كان متعلّقها مباحاً متساوي الطرفين في نظر الشرع فإن ترجّح فعله على تركه أو العكس بحسب المنافع والأغراض العقلائيّة الدنيويّة فلا إشكال في انعقادها فيما إذا تعلّقت بطرفه الراجح وعدم انعقادها فيما إذا تعلّقت بطرفه المرجوح، وأمّا إذا تساوى طرفاه بحسب الأغراض الدنيويّة للعقلاء أيضاً فهل تنعقد إذا تعلّقت به فعلاً أو تركاً أم لا؟ قولان، والصحیح هو الثاني إلّا إذا كان متعلّقها مشتملاً على مصلحة دنيويّة شخصيّة فإنّها تنعقد حينئذٍ.
مسألة 697 : كما لا تنعقد اليمين فيما إذا كان متعلّقها مرجوحاً شرعاً كذلك تنحلّ فيما إذا تعلّقت براجح ثُمَّ صار مرجوحاً، كما لو حلف على ترك التدخين إلى آخر عمره فضرّه تركه بعد حين فإنّه تنحلّ يمينه حينئذٍ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعدّ اليمين بعد انحلالها.
مسألة 698 : يعتبر في متعلّق اليمين أن يكون مقدوراً للحالف في ظرفه وإن لم يكن مقدوراً له حين إنشائها، فلو حلف على أمر يعجز عن إنجازه فعلاً ولكنّه قادر عليه في الظرف المقرّر له صحّ حلفه، ولو حلف على أمر مقدور له في ظرفه ولكنّه أخّر الوفاء به إلى أن تجدّد له العجز عنه - لا عن تعجيز - مستمرّاً إلى انقضاء الوقت المحلوف عليه، أو إلى الأبد إن لم يكن له وقت، فإن كان معذوراً في تأخيره - كما لو اعتقد تمكّنه منه لاحقاً أو قامت عنده حجّة على ذلك - انحلّت يمينه ولا إثم عليه ولا كفّارة، وإلّا لحقه الإثم وثبتت عليه الكفّارة، ويلحق بالعجز فيما ذكر الحرج والعسر الرافعان للتكليف.
مسألة 699 : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها وحرمت عليه مخالفتها ووجبت الكفّارة بحنثها، والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً فلو كانت نسياناً أو اضطراراً أو إكراهاً أو عن جهل يعذر فيه فلا حنث ولا كفّارة، ولا فرق في الجهل عن عذر بين أن يكون في الموضوع أو في الحكم كما لو اعتقد اجتهاداً أو تقليداً عدم انعقاد اليمين في بعض الموارد المختلف فيها ثُمَّ تبيّن له - بعد المخالفة - انعقادها.
مسألة 700 : إذا كان متعلّق اليمين الفعل - كالصلاة والصوم - فإن عيّن له وقتاً تعيّن، وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته، وحنثها بعدم الإتيان به في وقته وإن أتى به في وقت آخر، ونظير ذلك ما إذا كانت الأزمنة المتأخّرة جدّاً خارجة عن محطّ نظره حين الحلف فإنّه لا يجوز له التأخير في الإتيان به إلى حينها وإلّا كان حانثاً، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة وحنثها بتركه بالمرّة، ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار بل يجوز له التأخير ولو بالاختيار ولكن لا إلى حدّ يعدّ توانياً وتسامحاً في أداء الواجب.
وإن كان متعلّق يمينه الترك - كما إذا حلف أن لا يأكل الثُّوم أو لا يُدَخِّن - فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر، فلو أتى به في مدّة عمره ولو مرّة في أيّ زمان كان تحقّق الحنث، ولو أتى به أكثر من مرّة لم يحنث إلّا بالمرّة الأُولى فلا تتكرّر عليه الكفّارة.
مسألة 701 : إذا كان المحلوف عليه صوم كلّ يوم من شهر رجب مثلاً أو ترك
التدخين في كلّ نهار منه فإن قصد تعدّد الالتزام والملتزم به بعدد الأيّام تعدّد الوفاء والحنث بعددها وإلّا - بأن صدر منه التزام واحد متعلّق بالمجموع - لم يكن له إلّا وفاء أو حنث واحد، فلو ترك الصوم في بعض الأيّام أو استعمل الدخان فيه تحقّق الحنث وثبتت الكفّارة، ولا حنث ولا كفّارة بعده وإن ترك الصوم أو استعمل الدخان في سائر الأيّام، ولو تردّد فيما قصده حين الحلف جرى عليه حكم الصورة الثانية، ومثله ما إذا حلف أن يصوم كلّ خميس أو حلف أن لا يأكل الثوم في كلّ جمعة.
مسألة 702 : كفّارة حنث اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام متواليات، وستأتي أحكامها في كتاب الكفّارات إن شاء الله تعالى.