مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
وقد أثنى الله تعالى على كتابه العزيز في آيات متعددة ووصفه بأوصاف تنبئ عن عظمته وجلالته فمنها قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ، وقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ وقوله تعالى:﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾
وورد عن أهل البيت (ع) ما يشير في فضل القرآن الكريم ويتضمن الحث على تلاوته -ولا سيما في شهر رمضان المبارك الذي نحن في رحابه- فعن النبي (ص) في خطبته في شهر رمضان:(ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور). وقالت مولاتنا الزهراء(ع) في خطبتها الفدكية:(وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة)، وروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية).
ولتلاوة القرآن في شهر رمضان خصوصا بركات ومنافع متعددة فهو يعين المؤمن على تزكية النفس وتطهيرها من الأخلاق السيئة، خاصة مع الصيام الذي يهذب النفس ويكبح جماحها. وهو يمثل فرصة لتجديد العهد مع الله تعالى من خلال تلاوة كتابه والعمل بما فيه. كما ويشعر المسلم في رمضان بأجواء نزول القرآن الكريم، مما يزيد من ارتباطه بهذا الكتاب العظيم وتأثره وتشكل مجالس تلاوة القرآن في شهر رمضان فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية بين المسلمين.
وثمة رواية عن النبي (ص) تلفتنا إلى أهمية تلاوة القرآن لمن هو في مرحلة الشباب وريعان العمر فقد ورد عنه (ص) قوله: (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة).ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى بعض ما يوضح أهمية العناية بالقرآن في هذه المرحلة الحساسة من حياة الإنسان فنقول:
- يشكل القرآن الكريم حصناً منيعاً للشباب من الانحرافات الفكرية والسلوكية، خاصة في عصر العولمة وانفتاح الثقافات والأفكار المتنوعة.
- وكما قد يستفاد من الرواية الشريفة، فإن قراءة القرآن في سن الشباب تجعله جزءاً لا يتجزأ من كيان الإنسان وتفكيره وسلوكه، فيصبح منهجاً للحياة وليس مجرد كتاب للتلاوة وحيث يتميز الشباب بقوة الذاكرة والقدرة على الحفظ والفهم، فالاهتمام بحفظ القرآن وفهم معانيه في هذه المرحلة يكون أكثر فاعلية وتأثيراً.
- يساعد الاهتمام بالقرآن الكريم في مرحلة الشباب على اختيار الصحبة الصالحة من خلال حلقات التلاوة والتدبر، مما يساهم في بناء شبكة علاقات اجتماعية إيجابية.
- وتلاوة القرآن وحفظه والتدبر فيه تعد استثمارا ناجحا لأوقات الفراغ التي قد تكون سبباً في الانحراف إذا لم تُستغل بشكل صحيح.
- ويساهم القرآن الكريم في علاج المشكلات النفسية التي قد يعاني منها الشباب كالقلق والاكتئاب، حيث قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ .
هذا ومن البين أن فضل القرآن لا يقتصر على مجرد تلاوته، بل الأهم هو العمل بما جاء فيه وتطبيق أحكامه وتعاليمه في حياتنا اليومية. وقد وردتنا بعض الروايات التي تشير إلى هذا المعنى فقد روي عن الإمام الباقر :(ع): (حملة القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة واستدر به الملوك واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيع حدوده، ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله وأظمأ به نهاره…فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء … وبأولئك ينزل الله عز وجل الغيث من السماء فوالله لهؤلاء في قراء القرآن أعز من الكبريت الأحمر ).
فالقرآن الكريم هو كتاب الله الخالد، المعجز في لفظه ومعناه وأحكامه، وهو منهاج الحياة الكامل للإنسان. ومن أراد الفوز والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، فعليه بالقرآن تلاوةً وتدبراً وعملاً. وشهر رمضان هو فرصة عظيمة للتقرب إلى الله تعالى من خلال القرآن الكريم، فينبغي اغتنام هذا الشهر الفضيل بالإكثار من تلاوة القرآن وتدبره والعمل بأحكامه.
فلنجعل من القرآن الكريم نهجاً نسير عليه في حياتنا، وليس مجرد كتاب نقرؤه في مناسبات معينة، فإن في ذلك الفوز والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.
(اللهم فاجعل نظري فيه عبادة وقراءتي تفكرا وفكري اعتباراً واجعلني ممن أتعظ ببيان مواعظك فيه واجتنب معاصيك ولا تطبع عند قراءتي كتابك على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبر فيها بل اجعلني أتدبر آياته وأحكامه آخذا بشرائع دينك إنك أنت الرؤوف الرحيم)وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.