مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
السيد عبد الكريم الكشميري (قده) هو أحد العلماء العارفين والزهاد الذين شهدتهم النجف الأشرف في العقود الأخيرة. كان أستاذًا في الحوزة العلمية وإمامًا لأحد مساجدها، يصلي خلفه ثلة من الصالحين، وقد تتلمذ على يد جملة من الأعلام مثل السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد حسن البجنوردي، والسيد عبد الأعلى السبزواري (قده). وقد أرسل إليه السيد الخوئي (قده) رسالة خاصة، يثني عليه ويستحسن فيها عزمه العودة إلى النجف، مؤكدًا حاجة الحوزة الماسة لأمثاله.
وقد اشتهر السيد الكشميري (قده) باستخارته المجربة، حتى إن كثيرًا من الناس كانوا يقصدونه من مختلف محافظات العراق لهذا الغرض ويعتقدون باستخارته أيما اعتقاد، إذ كان يخبر المستخير بمراده قبل أن يفصح عنه.
ومن جملة تلك المواقف ما شهدته بنفسي، حيث التمس بعض الأقارب مني استخارة مهمة من السيد، فظهرت الآية الكريمة من سورة يوسف:
“يا صاحبي السجن أمّا أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه…” فقال السيد إن الأب يخطط لإخراج ابنيه من العراق، لكن الطريق الذي ينوي سلوكه محفوف بالمخاطر، بحيث يُقتل أحدهما وينجو الآخر. ونتيجة لهذه الاستخارة، قرر الأب تغيير طريق سفرهما، فكتب الله لهما النجاة، وهما لا يزالان على قيد الحياة.
ومن النوادر التي تنقل عنه أيضًا، أن السيد الخميني (قده) رأى منامًا عجيبًا أرقه لعدة أيام، فطلب من السيد الكشميري تفسيره، فأجابه بأن ذلك المنام يدل على أنه سيدخل إيران فاتحًا، وستنقشع الغمامة السوداء عنها، في الوقت الذي كانت تعج فيه إيران بالمظاهرات، وقد وقع ذلك فعلاً.
إلى جانب هذا فقد كان السيد الكشميري (قده) مصداقاً لقوله تعالى ((يذكرون الله قيامًا وقعودًا))، فقد عُرف بكثرة ذكره لله، كما شوهد وهو يقضي شطرًا من الليل في وادي السلام، متأملًا ومعتبراً بأحوال الأموات، فقيل له: سيدنا رأيناك جالسا في المقبرة، فقال لهم: هنا العبرة، يستمد ذلك من قول جده أمير المؤمنين (ع) لولده الحسن(ع) (وسر في ديارهم (أي:الأولين) وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا ونزلوا فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة وحلوا ديار الغربة وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك). وقد كانت أدعيته أيضاً مجربة للشفاء والعلاج.
كما اشتهر بتعلقه الشديد بمولى الموحدين، أمير المؤمنين علي (ع)، حتى قيل إن هذا العشق لعله كان سبب وفاته حين هاجر من النجف إلى قم.
لقد كان السيد الكشميري آخر من عاشرناه من علماء السلوك والعرفان في النجف الأشرف خلال السبعينات والثمانينات.
وانطلاقًا من عرفانه وسلوكه، فقد ترك لنا تسع وصايا للصائمين في شهر رمضان، ينبغي التأمل فيها والعمل بها، عسى أن نستنزل بذلك البركة والرحمة والقرب إلى الله تعالى في هذا الشهر الفضيل.
الوصايا
اولا: حاول ان تبحث عن الكیفیة لا الكمیة فی هذا الشهر، من كمیة ختم القران وقراءة الادعیة الخاصة فی هذا الشهر ، وانما علینا هضم هذه الایات والادعیة ،علینا بمضغ الغذاء جیدا حتی یكون جزءا من وجودنا ، مشكلتنا هی اننا نلحظ القشور من الدین والشریعة ، فكر بنفسك فی السنین الماضیة ماذا حصلت علیه من الولع الشدید للقراءة والی این وصلت ؟ من بدایة شهر رمضان فلتكن النیة فی الصیام لله فقط واما اداب الصیام علیك بالاتیان بها فی حالة وجود نشاط والا فلا .
ثانیا: التفكر ، لدقائق من ساعات ایام الصیام علیك ان تخصصها لافضل العبادات وهو التفكر فی اسرار دقائق هذه الایام .اغتنم فرصة الخلو مع الله وفكر قلیلا فی كیفیة ونوع الارتباط مع الخالق بامل تفتح ابواب المعرفة بوجهك.
ثالثا: من اهم مصادیق مظهر العبودیة خاصة فی هذا الشهر ومما اكد علیه النبی الاكرم صلی الله علیه واله هو اطالة السجود والله واولیائه یعلمون باثار ذلك وماهی الرحمة والبركات التی تنزل علیك من عالم الربوبیة فعلیك باطالة السجود كل یوم .
رابعا: قدر الامكان علیك بالافطار فی بیتك ولاتتناول الافطار فی المساجد والحسینیات الا قلیلا من اجل ان تجذب بركة استجابة الدعاء لحظة الافطار لبیتك وعائلتك واسرتك ، وایضا عند الافطار علیك بالدلال مع ربك ای بما انك صمت له ومد لك مائدة كرمه وانت فی كنف ضیافته ، فاذا رفعت اللقمة ادنها من دفمك ولاتتناولها الا بعد الدعاء والتضرع له ، ای انك تقول الهی لا اتناول الافطار الا اذا استجبت لی واعطیتنی سؤلی ، ففی هذه الحالة تحدث المعاجز .
خامسا: سر الحفاظ علی البقاء فی ضیافة الرحمن فی طول شهر رمضان هو (كیمیاء حسن الخلق) مع الاسرة من زوجة واولاد واقارب وحتی الاصدقاء وزملائك فی العمل ،فاعلم ان لحظة سوء الخلق والغضب هی لحظة الخروج من ضیافة الله .
سادسا: سفینة النجاة فی شهر رمضان اذا اردت ان توصلك لساحل النجاة والفوز فانها تسیر وتطفو علی امواج بحر التضرع والبكاء فی اسحار هذا الشهر ، فاطلب ذلك من الله فیها حتی لاتصاب بقسوة القلب فیتبعها جفاف العین .
سابعا: علیك بتعیین الهدف من الصیام من بدایة هذا الشهر وهو ادراك لیلة القدر حیث هی روح الشهر المبارك والحدیث فی خصائصها كثیر ولیس من المصلحة ازالة القناع ورفع الستار عنها وكشف اسرارها ، وعلینا ان ندرك وقوع لیلة القدر فی نفوسنا لا فی لیالی الشهر المبارك.
ثامنا: كلنا نعلم ان شهر رمضان ربیع القران لنا وعلینا اغتنام هذه الفرصة ففی كل یوم نختار ایة من القران ونكثر من تلاوتها طبعا مع التدبر فیها حتی وقت الافطار بامل رفع الحجب عن اسرارها ومعانیها الحقیقیة كلما قرب الوقت من ساعة الافطار .
تاسعا: من بدایة الشهر وحتی النهایة علیك بالانتباه والاهتمام بذكر الصائم الحقیقی والانسان الكامل بكل معنی الكلمة الا وهو مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف ولاینقطع هذا التوجه والارتباط طیلة هذا الشهر .
هذا ونسال من الله سبحانه وتعالى ان لا يجعله آخر العهد من صيامنا اياه فان جعلته فاجعلنا مرحومين ولا تجعلنا محرومين برحمتك يا ارحم الراحمين وصل على محمد واله الطيبين الطاهرين.