مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين
السلام عليك يا أبا عبد الله، أشهد لقد طيب الله بك التراب، وأوضح بك الكتاب (واجزل بك الثواب) وجعلك وأباك وجدك وأخاك وبنيك عبرة لأولي الألباب ، يا ابن الميامين الأطياب، التالين الكتاب وجهت سلامي اليك صلوات الله وسلامه عليك
اطل علينا شهر محرم الحرام لسنة 1445هـ بذكرى شهادة الامام الحسين (ع) والصفوة من اهل بيته واصحابه الكرام، وهي ذكرى لأعظم حدث يمثل مظلومية اهل بيت النبي (ع) في الامة بالرغم من كونهم العترة المصطفاة وعدل القران الكريم ووصية النبي (ص)، فلقد ازيحوا عن مواقعهم التي رتبهم الله سبحانه فيها، فحيل بينهم وبين ريادة الامة وقيادتها، بل تم اضطهادهم وقتلهم جراء عدم خضوعهم للظلم والباطل والمنكر، ودعوتهم الى العدل والحق والمعروف.
وتمثل هذه الذكرى مبلغ تضحية اهل البيت (ع) في سبيل الله تعالى واعلاء كلمته، وتحكيم مبادئ الرشد والحكمة والعدل والمعروف، وهو غاية ارسال الأنبياء (ع) كما قال تعالى ((لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)) وقد أوصى أئمة الهدى (ع) بأحياء هذه الذكرى من خلال إقامة مجالس العزاء فيها واستذكار ما جرى عليهم من المصائب والمآسي ليكون عِبرة وعَبرة للمؤمنين، فكان حقا على المؤمنين كافة الاهتمام بإقامة هذه المجالس والحضور فيها والحزن معهم (ع) في أيام حزنهم امتثالا لوصيتهم وعملا بما امروا به من مودتهم والمواساة معهم، فان في ذلك صلاح دينهم ودنياهم.
فلهذا نؤكد على حضور هذه المجالس فان لها بعدا ذاتيا خصوصا للشباب والابناء، فنريد من الطفل ان يحضر المجلس ويعايش هذه الأجواء وهو يلبس السواد مواساة لأهل بيت النبوة ، وليشعر الإباء ابناءهم بأن هذه الأيام أيام حزن على الحسين (ع) ، وهذا ما يجب فعله لأيصال رسالة الى العالم باننا مستعدون للتضحية من اجل إقامة الدين والشعائر الذي رفعه أصحاب الحسين واهل بيته (ع)، لان قضية الحسين (ع) هي قضية الإسلام، والمبادئ التي ضحى من اجلها هي المبادئ التي بعث من اجلها النبي (ص)، ولهذا كانت كل شعارات الامام الحسين (ع) وحركته وثورته تثبت لنا هذا الامر ومنها بيانه الاول (أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي) لانه (ع) خرج من اجل الإصلاح والدفاع عن المظلومين وإقامة شريعة سيد المرسلين (ص)، فبأقامتها يقام الحق، ولذلك فقضيته (ع) هي قضية الإسلام وليست صراعا شخصي وقع بين الحسين ويزيد وبني هاشم وبني امية، وانما هو صراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الايمان والكفر، وهو مستمر الى يومنا هذا، فلا تزال قوى للشر تحاول السيطرة على الشعوب ونهب خيراتها وتسعى الى تحريف عقائدها وفطرتها السليمة التي فطرها الله عليها، فحري بنا ان لا نضيع ما شرعه لنا الإسلام ((شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين)).
واليوم نرى ان الاسرة تتعرض الى الهدم وزعزعة الاستقرار في كثير من المجتمعات وذلك نتيجة الاعلام المكثف في كثير من الدول الذي يسعى لطرح حقوق المرأة بما لا يتفق مع معالم الشريعة الاسلامية والمبالغة فيها. ولذلك اصبحت كثير من الزوجات في ازمة الخلاف الشديد مع الزوج لمطالبتها بحقوقها القانونية وان لم تكن شرعية خصوصا وان القانون معها ، كما ان بعض الازواج الذي يعيش تزمتا واصرارا على راحته الشخصية فقط على حساب راحة الزوجة وشؤونها الخاصة يتعامل مع الزوجة بالمهانة والاذلال مما يخلق التنافر والاصرار على الفراق ، بل اصبح وضع العلاقة الزوجية في بعض المجتمعات في مهب الريح لادنى سبب من الاختلاف في الذوق او العمل ، واصبح الطلاق ظاهرة واضحة بين الازواج في كثير من الحالات. كل ذلك يجعل مسؤوليتنا الى التصدي لبيان حقوق الزوجين بما يتوافق مع الشريعة الغراء وبيان ان الحياة الزوجية ليست حياة وظيفية صارمة بل هي شراكة وتعاون مبني على الرحمة والحنان والتنازل عن الاخطاء والزلات ، حتى تستمر المسيرة في انتاج اجيال صالحة ، ولا يوجد حياة كاملة وسعادة تامة في اي علاقة زوجية ، خصوصا وان الحفاظ على مستقبل الابناء النفسي والدراسي والديني يستدعي حياة اسرية مستقرة هادئة .
الى جانب هذا نجد ان الاجيال الجديدة الواعدة تتعرض لغسل الادمغة وتعبئتها بثقافة منافية للفكر الاسلامي اما عن طريق المدرسة -كما في بعض الدول حيث يركز التعليم فيها على شرح العلاقة الجنسية بتمام تفاصيلها للاجيال منذ سن مبكر وابداء ان ممارستها بمختلف الوسائل حق مشروع للذكر والانثى ، والدفاع عن حالة الشذوذ وابراز انها حالة بشرية طبيعية، بل وتشجيع الابناء والبنات على عدم الاهتمام بثقافة الابوين والتمرد على آراء الاسرة في هذا المجال - واما عن طريق وسائل التواصل والانفتاح على افلام - ديزني - وغيرها من الشركات الداعمة للشذوذ والانحراف ، او عن طريق التواصل مع اصدقاء النت الذين لا يعرفهم الانسان الا بالحروف والارقام التي من خلالها يبثون سمومهم الفكرية والسلوكية الهادمة لكل الضوابط الخلقية والدينية ، مما يستوجب تصديا واضحا من قبل المؤمنين والخطباء والمبلغين في اطار توضيح ملامح التربية الدينية المثمرة وتنبيه الآباء على خطورة مستقبل الابناء وضرورة التفرغ لهم واقتطاع الوقت من اجل الجلوس والحديث معهم وتأسيس علاقة حميمة بين الام وابنتها وبين الوالد وولده، حيث ان الطريق الوحيد لاقناع الاولاد بالمفاهيم الصحيحة هو الاسلوب الهادئ والحديث المتكرر المشفوع بالشواهد والامثلة، وقد ورد عن الرسول (ص): (مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع إذا كانوا أبناء عشر سنين) .
ولا ننسى ما تتعرض اليه اليوم كرامة المرأة المسلمة فقد أصبحت ظاهرة خلع الحجاب وتركيز الفتاة المسلمة على ابراز مفاتنها و زينتها وجمالها ظاهرة شائعة في عدة مجتمعات تحت شعار الحرية الشخصية وعدم وجود دليل صريح من القرآن على وجوب الحجاب ، أو بذريعة ان الحجاب يفرض قيودا ثقيلة على الفتاة العاملة التي تطمح لمستقبل مهني مرموق ، مما يزيد من اهمية قيامنا بدور حيوي في المقام بترسيخ ان الاهم للفتاة ليس ابراز جمالها بالشكل العلني وانما هو كرامتها وحشمتها وصيانة شخصيتها عن ان تكون سلعة مبذولة لكل مريض نفسي او خُلقي، في حين نرى ان الحجاب هو رمز للحضارة الاسلامية خصوصا في المجتمعات الغربية ومظهر للعزة وقوة الشخصية ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)).
هذا ويجب على الإباء والامهات حث أبنائهم على عدم التساهل والتسامح بالاعتقاد بالإمامة التي هي الركيزة الأساسية في الدين، فقد ورد في الرواية الصحيحة الموثقة (بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية .. الى ان قال (ع) الولاية أفضل لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن) وقال (ع) (ولم يناد بشئ ما نودي بالولاية يوم الغدير) وقوله (ص) (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن) وقوله (ع) (من أصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد الله على بادئ النعم، قيل: وما بادئ النعم؟ قال: طيب المولد) .
وعلينا أيها الأحبة شيبا وشبابا ونساءا ورجالا الاهتمام بالقران الكريم فانه رسالة الله سبحانه وتعالى الى الخلق كافة وثقله الأكبر في هذه الامة وميزان الحق والباطل، وقد انزله الله سبحانه هدى وذكرا وبصائر للناس وهو ذكر مبارك وحكيم، وانما كانت سيرة اهل البيت (ص) وتضحياتهم تطبيقا لتعاليمه وامتثالا لها فينبغي ان يكون هو واجه الخطاب ووجهه وذكر ما سواه في ذكره وتحت لوائه.
ولهذا نرى الحسين واصحابه واهل بيته قد احييوا ليلة العاشر بقراءة القران وكان لهم دوي كدوي النحل وما بين راكع وساجد
نسال من المولى سبحانه وتعالى ان يوفقنا لاحياء هذه الذكرى وفق ما كان يحيها اهل البيت (ع)
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين