مركز الارتباط بسماحة اية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) في لندن واوربا والامريكيتين

ممثل المرجعية يعزي العالم الإسلامي بشهادة خامس أئمة المسلمين الامام الباقر (ع) ويقول:
ان من ابرز النقاط الظاهرة في حياة الامام الباقر (ع) ربط نفقات الحوزات العلمية بالمرجعية دون غيرها لتستطيع نقل الحكم الشرعي بأمانة الى المكلفين

واليكم نص حديثه بهذه المناسبة الحزينة :
نعيش في هذا اليوم بذكرى شهادة الامام الباقر(ع) والتي كانت في السابع من شهر ذي الحجة الحرام 114هـ، وبهذه المناسبة الحزينة نقتطف بعض الشذرات من حياته الشخصية والعلمية ليطلع المسلمون عليها وخصوصا شبابنا الذي يجهل البعض منه حياة أئمته وقادته وسادته الذين امروا باتباعهم والاقتداء بسيرتهم بنص الكتاب والسنة في الوقت الذي نجد منهم من قد يعرف عن مشاهير الرياضيين والفنانين وغيرهم اكثر مما يعرف عن أصول دينه وفروعه وتاريخ قادة الائمة الاطهار (ع) ، وهذه ظاهرة ناسف لها كل الأسف ان يكونوا بهذا المستوى من البعد عن عقيدتهم.
ومن اجل هذا وغيره نلقي اليوم نظرة على حياة هذا الامام العظيم ، ومن ابرز ما نواجهه تلقيبه بالباقر الذي معناه الموسع والناشر والمظهر للعلوم والمعارف وذلك لكثرة ما ظهر منه وانتشر من العلوم آنذاك لان الفترة التي أعقبت مقتل الامام الحسين (ع) كانت فترة مظلمة لا يكاد يرى فيها نور العلم والمعرفة حتى الاحكام الشرعية بسبب جهل الامويين والمروانيين خصوصا بعد مقتل الامام الحسين (ع)، بحيث لا يستطيع احد ان يتفوه بنقل حديث او رواية عن اهل البيت (ع) ، ولهذا كان اتباع اهل البيت يأخذون أجوبة مسائلهم من الامام السجاد (ع) عن طريق زينب بنت امير المؤمنين (ع) التي كانت لها نيابة خاصة من الامام زين العابدين (ع) في هذه الفترة المظلمة، وحينما انشغل الظلمة بأنفسهم اظهر الامام (ع) معالم مدرسة اهل البيت (ع) بشكل علني، حتى قال ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة في وصفه (ع) ما نصه:
(هو ابو جعفر محمد الباقر (ع)، سمي بذلك من بقر الارض اي شقها واثار مخبآتها ومكامنها فكذلك هو (ع) اظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى الا على منطمس البصيرة او فاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكى علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرفت اخلاقه،…) واول من عرفه بهذا اللقب جده رسول الله (ص) كما في حديث جابر بن عبد الله الانصاري....
وكان الامام (ع) مرجع العلماء ومعلمهم جميعا في عصره، امثال مالك بن انس وابي حنيفة وسفيان الثوري والزهري وابن عتيبة وغيره. وروى الشيخ المفيد بسنده عن عبد الله بن عطاء انه قال:(ما رأيت العلماء بين يدي احد اصغر منهم بين يدي ابي جعفر محمد الباقر (ع)، ورأيت الحكم بن عتيبة مع جلالة قدره وغزارة علمه وارتفاع مقامه بين الناس بين يدي محمد بن علي الباقر (ع) كأنه صبي بين يدي معلمه!).
وكان جابر الجعفي وهو من كبار العلماء اذا روى عن محمد بن علي عليهما السلام شيئا قال :(حدثني وصي الاوصياء ووارث علوم الانبياء ابو جعفر محمد بن علي الباقر (ع)).
وعن محمد بن مسلم رحمه الله وهو من اعيان تلامذة الامام انه قال :(ما اشكل علي امر الا وسألت عنه ابا جعفر الباقر (ع) حتى سألته عن ثلاثين الف مسألة) وخلاصة القول ان الامام الباقر (ع) هو باب علم جديه النبي المصطفى (ص) وامير المؤمنين المرتضى (ع)، ومثله كل الأئمة الاثنا عشر (ع) الذين ولو اتيحت لهم الظروف السياسية والاجتماعية لأضاؤوا العالم بأسره بأنواع العلوم والمعارف النافعة، ولما بقي في دنيا البشر اثر من ظلمات الجهل والضلال، ولكن رغم تلك الظروف القاسية والارهاب والمراقبة التي كان يعيش الامام تحت كابوسها الخانق استطاع ان يفتح ثغرة واسعة في سياج الجهل والخداع والتمويه الذي ضربته السلطات الاموية على الناس وذلك بأن جعل من بيته مدرسة للتوجيه والتثقيف والتعليم والتوعية، فاجتمع حوله جمع غفير من بقايا الصحابة والتابعين وطلاب الحديث والفقهاء، وكان يعقد مجالس للحوار والمناظرة مع علماء المذاهب الاسلامية واهل الكتاب والخوارج ومع الفلاسفة والدهريين والملحدين وغيرهم فيظهر عليهم بحججه البالغة ومنطقه السليم وبيانه المستقيم.
ويمكن للقارئ الكريم ان يرجع في حياة الامام الباقر (ع) الى الكتب الواسعة امثال البحار للشيخ المجلسي وموسوعة اهل البيت (ع) للشيخ القرشي وما كتبه الشيخ محمد حسن ال يس في موسوعته وغيرها من المصادر المعتبرة.
والجدير بالذكر من اهم ما عني به الامام ابو جعفر (ع) هو نشر الفقه الاسلامي الذي يحمل روح الاسلام وجوهره وتفاعله مع الحياة، فسهر على احيائه واقام مدرسته الكبرى التي زخرت بكبار العلماء كأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم وبريد الاسدي والفضيل بن يسار ومعروف بن خربوذ وزرارة بن اعين وغيرهم الذين كانوا من الاعلام وممن اجمعت العصابة على تصديقهم والاقرار لهم بالفقه واليهم يرجع الفضل في تدوين احاديث اهل البيت (ع) التي لولاهم لضاعت تلك الثروة الفكرية الهائلة التي يعتز بها العالم الاسلامي وهي احدى المدارك الاساسية لفقه الفقهاء الشيعة في استنباط للاحكام الشرعية، ولهذا اليوم يعتز بها العالم الإسلامي.
والشيء الذي يدعو للاعتزاز من سيرة الامام (ع) من انه قد تبنى هؤلاء الفقهاء واشاد بهم وعزز مركزهم وارجع الامة الى فتاواهم، يقول (ع) لأبان بن تغلب:( اجلس في مجلس المدينة وافت الناس فإني احب ان يرى في شيعتي مثلك).
وقام بتسديد نفقاتهم وما يحتاجون اليه في حياتهم المعاشية ليتفرغوا لتحصيل العلم وضبط قواعده وتدوينه وعهد من بعده الى ولده الامام الصادق (ع) القيام برعايتهم والانفاق عليه حتى لا تشغلهم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عن القيام بمهماتهم والا يكونوا بحاجة الى احد في وضعهم المالي من حكام العصر فيكونوا ملزمين بتحقيق أهدافهم السياسية ومطامعهم الشخصية في وضعهم المالي.
وجريا على هذه السيرة المثلى - منذ زمن الغيبة الكبرى وحتى الان تكفلت المرجعية على طول الزمن برعاية الحوزات العلمية دون اللجوء الى الارتباط بالدولة واوقافها، لتستطيع ان تنقل الحكم الشرعي الصحيح من مصادره المعتبرة عن طريق ائمة اهل البيت (ع) مباشرة، ولولا هذا النهج الذي سنه أئمتنا الاطهار لضاع الدين وانطمست العقيدة.
فسلام الله عليك يا ابا جعفر الباقر يوم ولدت ويوم عشت ونشرت فقه ال محمد وانرت به العوالم ويوم استشهدت مسموما
فإنا لله وانا اليه راجعون